كلمة وزير الدفاع الأمريكي مارك ت. إسبر بالمقبرة الأمريكية في شمال أفريقيا – قرطاج – تونس

(كما ألقاها)

طاب يومكم جميعا.

أشكركم جميعا على تفضلكم بالحضور كما أشكر السفارة الأمريكية في تونس على استضافتنا اليوم، كما أشكر الهيئة الأمريكية لنصب المعارك التذكارية على تخصيصها لهذه الأماكن المباركة وحسن صيانتها.

يشرفني أن أكون بينكم هنا بالمقبرة الأمريكية في شمال أفريقيا، المرقد الأبدي لما يزيد عن 2800 جندي وجندية بواسل قاتلوا في شمال أفريقيا خلال الحرب العالمية الثانية وأكثر من 3700 بطل تخلد ذكراهم أسماؤهم المحفورة على جدار المفقودين.

لقد قاتل هؤلاء الجنود والبحارة والطيارون ومشاة البحرية وأعوان خفر السواحل والبحرية التجارية إلى جانب شركائنا وأصدقائنا في حملة شمال إفريقيا، فأوفوا بقسمهم بالذود عن الولايات المتحدة الأمريكية ودستورها ضد قوى الشر. لم يكتف هؤلاء بتقديم أرواحهم دفاعا عن الحريات التي ننعم بها اليوم، بل علمتنا تجاربهم في القتال أيضا دروسا حيوية لا نزال نرى صوابها بعد نحو ثمانية عقود، دروس ينبغي علينا تدبرها في قادم السنوات.

اندلع القتال في شمال إفريقيا عندما حاولت دول المحور قطع الإمدادات وخطوط الاتصال عن الحلفاء في منطقة البحر الأبيض المتوسط. وأدرك الرئيس روزفلت التهديد الذي تمثله سيطرة دول المحور على المنطقة، فأطلق عملية “تورش” في العام 1942، والتي مثلت أول دخول رئيسي للقوات الأمريكية في مسرح القتال ذاك وأكبر حملة أمريكية في القارة. تكبد الحلفاء خسائر مبكرة في القتال، فتكيفوا مع الأوضاع ببناء قوتهم القتالية وإجراء تغييرات في القيادة والتنسيق بين القوات الجوية والبحرية لمهاجمة مواقع العدو وخطوط الإمداد.

أثبت تعاون الحلفاء خلال نحو ثلاث سنوات من القتال لزامه لتحقيق النصر سنة 1943 وتحرير المغرب العربي من سيطرة دول المحور. كما أمن طرق الإمداد الإستراتيجية في شمال إفريقيا ومنطقة البحر الأبيض المتوسط​​، وهيأ الحلفاء لتحرير أوروبا. وبيّن انتصارنا ما تبلغه الدول من قوة إذا تطابق عزمها وتآزر صفها ضد الاستبداد وعلّمنا أن التكاتف في القتال سبيل الفوز فيه.

أدى نجاحنا المشترك في الحرب العالمية الثانية إلى إنشاء نظام دولي ضمن السلام والاستقرار والازدهار في مختلف أنحاء العالم على مدار الـ75 عاما الماضية، ولكن هذا النظام العالمي القائم على قيم الحرية والسيادة وحقوق الإنسان التي تجمعنا يتعرض لضغوطات في زمن تنافس القوى العظمى هذا.

تواصل اليوم الصين وروسيا – منافسانا الاستراتيجيان – ترهيب جيرانها وإكراهها، وهي توسّع نفوذها الاستبدادي في مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك في هذه القارة. وفي الوقت عينه، لا يزال المتطرفون العنيفون يشكلون خطرا على الاستقرار الإقليمي وعلى وطننا أيضا. تمثل شراكة الولايات المتحدة الثابتة مع البلدان التي تشاطرها رؤياها – بما في ذلك بلدان شمال أفريقيا – المفتاح لمواجهة هذه التحديات.

تساعد وزارة الدفاع ضمن جهودنا المشتركة على تعزيز قدرات شركائنا الدفاعية وعلى إضعاف المنظمات المتطرفة العنيفة والتهديدات العابرة للحدود. كما نقدم المساعدات الإنسانية والإغاثة للمجتمعات المحلية عند الكوارث. ونواصل أيضا مواجهة سلوكات بكين وموسكو التي تعتمد الخبث والقسر والسلب والتي تهدف إلى تقويض المؤسسات الأفريقية وتقويض السيادة الوطنية وتقويض الاستقرار واستغلال الموارد في مختلف أنحاء المنطقة.

تلتزم الولايات المتحدة في أعمالها بحسن النية ويحدوها تطلع صادق إلى أن تكون أفريقيا أكثر أمنا واستقرارا وازدهارا عبر تحقيق تنمية سياسية واقتصادية تقودها أنشطة تجارة واستثمار متبادلة حرة ومنصفة تحترم سيادة الدول جميعها.

تواصل الولايات المتحدة بصفتها الشريك العالمي المفضل تعميق تحالفاتنا وشراكاتنا في مختلف أنحاء القارة الأفريقية، بما في ذلك مع تونس، حيث مكن الحكم الديمقراطي وسيادة الدولة فيها من إنجاز الكثير من عملنا في هذه المنطقة. نتطلع إلى توسيع هذه العلاقة لمساعدة تونس على حماية موانئها البحرية وحدودها البرية، وردع الإرهاب، ودرء المساعي المفسدة للأنظمة الاستبدادية عن بلادكم فيما نبني علاقات أوثق مستلهمين روح من وضعونا على هذه الطريق.

ينحدر الأبطال المسجّون على هذه الأرض من مختلف بقاع الولايات المتحدة ومن كافة المستويات الاجتماعية. لقد أتوا للقتال من أجل الولايات المتحدة ومن أجل دستورنا ومن أجل قيمنا المشتركة ومن أجل المثل العليا التي تحدد الآن معالم نظامنا العالمي الذي تضبطه أصول وقواعد. ونذكر من بينهم الجندي نيكولاس مينو، وهو مهاجر بولندي تخلى عن رتبته كرقيب في الجيش الأمريكي ليلتحق بساحة القتال خلال الحرب العالمية الثانية، في الجزائر أولا ثم في تونس.

منح الجندي مينو وسام الشرف بعد وفاته تكريما لدكه بشكل منفرد موقع مدفعية رشاشة للعدو تحت وابل من الرصاص واستمراره في التقدم حتى سقوطه قتيلا.

ومن الأبطال الآخرين الذين تظهر أسماؤهم على شواهد القبور وجدار المفقودين قادة مثل الملازم الثاني جيمس ماكولين والملازم الأول شيرمان وايت، وهما طياران من توسكيجي. وقد رافق هذان الطياران الأمريكيان من أصل أفريقي قاذفات ونفذا مهام أخرى ساعدت في تغيير المسار الذي اتخذه الجيش الأمريكي.

نذكر من الرواد الآخرين الجندي الأول روز بوشالا وأليس ماكيني من الفيلق النسائي، فقد وضعت مساهماتهن طوال فترة الحرب حجر الأساس لقوات مسلحة قوية وقادرة ومتنوعة دئبنا على بنائها وتمتينها منذ ذلك الحين.

نقف اليوم باعتزاز بفضل التضحيات التي قدمها هؤلاء الرجال والنساء الذين سبقونا. نكرمهم ونكرم جميع من يخدمون في مختلف أنحاء العالم اليوم ويتركون بصماتهم وهم يدافعون عن قيمنا إلى جانب حلفائنا وشركائنا. كما فعلنا عندما وصلنا إلى هذه الأرض التاريخية في العام 1942، ستواصل الولايات المتحدة في قادم الأيام حماية قضايا الحرية الخالدة وتحصين سيادتنا وقيمنا ودعم النظام الدولي القائم الذي تضبطه المعايير والذي يعود بالمنفعة على بلداننا.

شكرا جزيلا على حسن استماعكم.